Thursday, April 2, 2020

كورونا الأخَوَين رَحباني

“ليبانون ديبايت” – روني ألفا

الجائَحَة جائِعَة. علّمَتنا كورونا كلمَة جَديدَة: جائِحَة. لَم نعهَد قبلَ الوَباء حقلاً معجَميّاً بِهذا البَيان والتّبيين. تَذكَّرْنا فيكتور هوغو الذي خصّصَ المَوت بِقصَيدَة هي مِن بناتِ إبداعِه شبّهَهُ فيها بالحاصِدَة . ” لا فوشوز ” بالفَرنسيَّة لِمَن يرغَب في زمنِ الحَجر باستِعادَة هذه القَصيدَة وهي مِن أمّهات قريحَة أبو لِيوبولدين. لَم تَحظَ جرثومَة في تاريخ العالَم بهذا الكَمّ مِن الرِّعايَة. البِلهارسيا قتَلَت عبد الحَليم حافِظ. السيدا قتَلَ روك هودسون. الكوليرا كانَت تقتل ألف شَخص يوميّاً في باريس. لَم يَحظَ أي من هذه الجائِحات بشهرَة كورونا. ميداليَّة ذهبيَّة في مسابَقَة المَوت.

كورونا تتصرَّف مثل محطّة تلفزيونيَّة. لا تُعلِنُ مسبَقاً عَن شبَكَة برامِجِها الجَديدَة. إختِصاصية مفاجآت. إسألوا أكبَر عالِم جراثيم اليَوم عمّا ستؤولُ إليه الأحوالُ بعدَ ساعَة أو بعدَ سنَة. لا جَواب. بعض التكّهنات تفيد أن البشريَّة ستتكبَّد خمسين مليون وَفاة قبلَ أن يشبَع الفيروس مِن مأدبَة الجثامين. تِجارَة التّوابيت صارَت الأكثَر رَواجاً. أرقامُ مَبيعاتِها ستتعدّى قَريباً مبيعات الهواتِف الذكيَّة. أحَد اللبنانيين على وَشك مزاولَة تِجارَة جديدَة. إخراج الأوراق النقديَّة مِن الصرّاف الآلي معقَّمَة لِقاء ألف ليرَة لكلّ عمليَّة. الأشعَّة البنفسجيَّة زائِد القَليل مِن الهَندسَة يصبِح الصرّاف الآلي شغّالاً.

أمرٌ واحِد ليسَ بِحاجَة إلى تنظير وواضِحٌ وضوحَ الشَّمس. كورونا هوَ تجسيدٌ للخوفِ الأكبَر الذي سيرافقنا لمدَّة طَويلَة. الخَوف من المَوت. تَوَحَّدنا هذه الأيام. بِتنا نقرأ التّحذيرات نفسَها. نتابِع الأخبار نفسَها. والأهمّ بِتنا مِن طرفِ الكَوكَب إلى طَرَفِه الآخَر ننظرُ إلى الآخَر وكأننا ننظرُ في مرآة أي إلى أنفُسِنا. نقرأُ رعبَنا من الآتي الغامِض. الأخوان رحباني كالعاَدة مُدهِشون بقدرَتِهم على إلباس الأغنيَة أكبَر قَدرٍ من الرّؤيا. ” قَولَكْ صَحيحْ كِلّْ شي تْهَدَّمْ؟ واعي أنا أو عم إحلَم؟ فَجأَه السّعادِه، وقَعِتْ بالبير. فَرَّقْنا الغامِضْ مِتلْ العَصافير وأنا كِنتْ مفكِّر بعدْ بَكّيرْ، تاري اللي بيصيرْ عا غَفلِه بيصيرْ”. صَوت ملِحم بَركات حَوَّلَ الرّؤيا إلى شِبَه نبوؤة.

الصّين. مِن طَريق الحَرير إلى طَريق العَدوى. مَن كانَ ليتخيَّل أنَّ ما يُصنَع في الصيّن سَيكون ” ضَياناً ” إلى هذا الحدّ؟ مَن كانَ يتصوّر أنَّ اللبناني ” الهاي تَك “، اللبناني السابِق لِعصرِه الذي يحمِلُ في معصَمِه ساعَة الآبِل سيعود إلى زِراعَة القَمح في حقلَةِ جدِّه. عودَة إلى البَيدَر والعِرزال. إستراحَة طَويلَة مِن المؤتَمرات الدوليَّة ورِحلات الدرجَة الأولَى.

اللبناني يعرِف مِن أينَ تؤكَلُ الكَتِف. بدأ يستَثمِر بمستَحضَرات الـتّعقيم. إعلانات في ساعات الذّروَة تعتزّ بتَعقيمٍ صُنِعَ في لبنان. المُلفِت في عزّ الأزمَة عدد الأميال المَجّانيَّة في بطاقات الإئتمان. كنّا نجمِّع الأميال ونسافِر بالمَجّان. كان عَدد الأميال مادَّة للتنمّر بين اللبنانيين. صارَ البَطَل ُ فينا مَن ينجَح في اجتيازِ أطلَسي غرفَة النّوم إلى أمازون غرفَة الجلوس. عِقاب جَماعي. عَهِدناهُ أيامَ المدرسَة. مُشاغِبٌ واحِد في الصفّ كانَ يكلِّفُ كلَّ رِفاقِه عقوبَةَ احتِجازٍ بعدَ الدّوام تَدومُ ساعَتين على أقلّ تَعديل. كان لهذا الوَحش الـّربَوي إسمٌ بالفرنسيَّة. ” روتونو “.

في هذا الوَقت يحدثُ في أوروبا جَلَلٌ إستِثنائي. يتفشّى بسرعَة منافِسَة لِكورونا. فيروس شَرِس يتفشّى في جسَد الإتّحاد الأوروبي. شاحِنات مَؤونَة ومَعونَة تدخلُ إيطاليا مِن أحفاد ماو ومِن أحفاد لينين. لا شيئ مِن أحفاد جان دارَك وتشرشل وهيغِل. الطّليان يحرقونَ علَم الإتّحاد الأوروبي بالجملَة. ترَكتهُم أوروبا فريسَة الجرثومَة. عودَة قريبَة إلى الفرنك الفرنسي والمارك الألماني والدّراخما اليونانيَّة.

كورونا قصَفَ عدَّة أهداف أخرَى. الطّاعِنون في السِن لَم يَعد مَرغوباً بِهِم. ” اللي ما عِندو كبير يشتري كبير ” كنّا نَقول. ” اللي عندو كبير يبيعو “. ربّما يَجري مَثَلاً.

على الطّريق يسقُطُ ضَحايا كُثُر. العام الدّراسي عندَنا في مَوت سَريري. إلغاء لِشهادَة الباكالوريا. أجيال تَنمو مَع نتفلِكس وإيموجي. تَجميع العلامات سيكون على فايسبوك وإنستغرام. لِم لا أيضاً؟ ربَّما الإنتخابات النيابيَّة أون لاين. التصويت عبرَ تويتِر. على الأقل لن يكون هناك إمكانيَّة لِشراء الأصوات. مارك زوكربغ سيشرِف شخصيّاً عَلى نَزاهَة الإستِحقاق.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2UGo4vA
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل