Wednesday, April 8, 2020

التعليم الإلكتروني عن بُعد: إشكاليات وحلول

د. جمال مسلماني

-محاضر واستشاري متخصص بالتكنولوجيا المتقدمة والأمن الرقميّ

مما لا شك فيه أن أزمة كورونا أعادت خلط أوراق العملية التعليمية في لبنان وأعادت معها الحديث عن التعليم الالكتروني عن بُعد، ومما لا شك فيه أيضا انعدام ثقة اللبنانيين بالدولة اللبنانية وطروحاته وحلولها، وأصبح اللبناني ينظر إلى الحلول المطروحة – أيّا كانت هذه الطروحات – إلى أنها حلول انتفاعية تعود لصالح الدولة وليس للمواطن، وبأن الدولة لا تفكّر إلا في مصالحها بعيدا عن مصلحة المواطن، وهنا تكمن المشكلة الرئيسية، مع أن ذلك برأيي ليس صحيحًا، ليس دفاعًا عن الدولة إلا أنه دفاعاً عن مظلومية “التعليم الالكتروني عن بُعد”.

لذلك، المطلوب أولاً هو إعادة استعادة الثقة بين الدولة – وهنا نتحدث بالتحديد عن وزارة التربية – والمواطن، وهذا يأتي في المقام الأول لأي حل قد يُطرح، يليه ضرورة تعزيز ودعم دور المركز التربوي للبحوث والهيئات المجتمعية والمدنية ومعها الجمعيات والمؤسسات التعليمية – بكامل أطيافها و”طوائفها”، للوقوف كتفًا بكتف إلى جانب وزارة التربية من جهة وجانب المواطن اللبناني من جهات أخرى وكثيرة، وكل ذلك في سبيل اقناع المواطن بأهمية التعليم الالكتروني للطلاب وتأثيرات الإيجابية عليهم ولعدم خسارة العام الدراسي من جهة أخرى.

ثانيًا، يجب محاولة صد فئة العابثين والمهوّلين – خاصة بعض المعلّمين ومديري المؤسسات التعليمية – بنفوس الطلاب وأهاليهم، وعدم استغلال الأزمة الراهنة والمستجدة لمحاولة تحقيق مطالبهم المحقّة والتي لا أحد يناقش بها، إلا أننا وبظل الوضع السيء لا يمكن أن نكون استغلاليين ونضع العصيّ في دواليب العملية التعليمية الالكترونية. وبما ان الحديث تناول المعلمين، يجب أيضا تخصيص دورات تعليمية الكترونية عن بُعد لفئة من المعلمين الذين لا يعرفون كيفية التعامل مع المنصات التعليمية الالكترونية، وهنا يأتي دور المؤسسات التعليمية التابعة لهم بالدرجة الأولى بالتعاون مع وزارة التربية والمؤسسات والجمعيات المدنية وأهمها مركز التربوي.

ثالثًا، كلنا نعلم بأن التعليم الالكتروني هو حدث تكنولوجي جديد في لبنان، ولأن بعض المواطنين اللبنانيين عندما يسمعون بالتعليم الالكتروني فإنهم يخافون ويرتعبون لجهلهم بحقيقة مفهوم التعليم الالكتروني وحقيقة متطلباته التقنية، وبطبيعة الحال تصبح عندهم نزعة “مقاومة التغيير” لأمر لم يكن يعتادونه وهو بالشيء بالطبيعي، ومنا هنا يأتي دور وزارة التربية والجهات الحكومية المتخصصة والمؤسسات التعليمية والهيئات المدنية والمجتمعية لتساعد في توعية الاهل والطلاب بضرورة عدم مقاومة هذا التغيّر الحاصل وركب موجته الإيجابية التي هي لصالح الطالب بشكل خاص ولصالح الوطن بشكل عام، وهنا من الضروري الإضاءة على بعض فوائد التعليم الالكتروني:

1- زيادة إمكانية التواصل الطلاب فيما بينهم وبين الطلاب وأساتذتهم ومؤسساتهم التعليمية وذلك من خلال ما يوفره هذا التعليم الالكتروني من سهولة الاتصال، ويعزز روح الثقة بين الطلاب ويقلل حدة الخوف لدى الطلاب مما يعزز مساهماتهم في طرح وجهات نظرهم والمشاركة في النقاشات.

2- توفير دائم للمناهج والمواد والحقائب التعليمية المساعدة وخاصة التفاعلية منها بالصوت والصورة والتأثيرات وذلك على مدار الساعة.

3- اعتماد الطالب على نفسه باكتساب المعارف والعلوم ويخلق لديه حافزًا تعليميًا للاستفادة من منصات تعليمية عالمية لاكتساب معارف وعلوم جديدة أو مهارات متخصصة لأي مجال من المجالات التي يرغب ويهتم بها.

4- كسر حاجز الزمن والمسافة لكلا الطلاب والمعلمين.

وغيرها الكثير من الفوائد التي لا يتسع المقام لذكرها وحصرها، إلا أن تم ذكر بعض الفوائد من باب التوضيح وللاستفادة من ذلك في زمن الازمة الصحية المستجدة، إلا أن هنالك الكثير من الفوائد التي يمكن الإضاءة عليها بعد الانتهاء الازمة والتي قد تكسر من تحكّم بعض المؤسسات التعليمية الخاصة برقاب الاهل والطلاب، إلا أن ما يهمنا حاليًا في هذا الشأن أن ندرك أهمية التعليم الالكتروني (المدرسي، المهني، الجامعي، ..).

رابعًا، يجب دراسة كل التحديات والمعوقات التي قد تعيق العملية التعليمية للطلاب ورفع التوصيات والاقتراحات الخاصة بذلك الى الدوائر والوزارات المعنية – التربية، اتصالات، الطاقة – وذلك لأجل دفع “الاشكاليات” المحقّة من جهة والمبالغ بها من جهة أخرى والتي ينادي بها الأهل أو المعلمون، وهنا على سبيل المثال ولا الحصر بعضًا من التحديات والمشاكل:

1- عدم وجود انترنت: وزارة الاتصالات أقرت بالتعاون مع بعض الجهات الحكومية والمدنية والمجتمعية خدمة اعتماد مواقع انترنت “whitelisting” ويمكن للطالب الدخول إلى الروابط المعتمدة من قبل مدرسته ووزارة التربية مجانا دون استهلاك انترنت.

2- عدم وجود كهرباء: يمكن تحديد أوقات التقنين الموجودة في المناطق المختلفة وخاصة البعيدة حتى يصار إلى جدولة الحلقات التعليمية التي سوف تبثّ عبر تلفزيون لبنان وجدولة مواعيد الإعادة بشكل يراعي فترات انقطاع الكهرباء وهكذا.

3- عدم وجود أجهزة الكترونية (هواتف ذكية، كومبيوتر، جهاز تلفزيون، …): رغم الوضع الاقتصادي الصعب وخاصة للطبقات الفقيرة المعدومة، فإنه يكاد لا يخلو أي منزل من جهاز تلفزيون بالحد الأدنى مما يتيح للطالب متابعة تحصيله العلمي عبر التلفزيون الرسمي والذي لا يحتاج إلى اشتراك “ستالايت”، إلا أن النقاش قد يدور حول هل تمتلك العائلة هاتفًا ذكيًا أما لا، إلا أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى امتلاك أغلب اللبنانيين لهواتف محمولة ومتصلة بالانترنت، ومع هذا كله، يجب على المؤسسات التعليمية أن تقوم بعملية إحصاء لممتلكات الطالب من الوسائل التكنولوجية ومساعدتهم بحال عدم توفرها عبر الجمعيات الاهلية والمدنية والحكومية، وهذا بالطبع يحتاج إلى جهد وتعاون متبادل، فضلًا عن عامل الصدق والثقة.

4- تأجيل العام الدراسي: من الباكر جدا الحديث عن تأجيل العام الدراسي لوقت لاحق، وحيث أننا لا زلنا في مرحلة جيدة نسبيا في معالجة الانتشار الحاصل من فيروس كورونا، وحيث أنه هناك جهوزية تكنولوجية وتربوية بدءًا من وزارة التربية ومركز التربوي وبدعم وزارة الاتصالات والحكومة اللبنانية وبدعم وجهود المؤسسات التعليمية فإنه لا داعي للتأجيل ويمكننا المضي قدمًا في استكمال العام الدراسي ما لم تتطور الأمور سلبًا في وطننا لا سمح الله ويعيق العملية التعليمية الالكترونية من جهة أخرى.

5- التطبيقات الالكترونية التعليمية: هناك الكثير من التطبيقات الالكترونية التي بدأت المؤسسات التعليمية بتعليم طلابها على كيفية استخدامها وهناك أيضا تطبيق معتمد من قبل وزارة التربية، ولا يجب علينا الخوف من كيفية استخدامها لأن استخدام أي تطبيق لا يختلف كثيرا عن استخدامنا لتطبيقات التواصل الاجتماعي (فايسبوك، تويتر، انستجرام، واتساب، …) من قبل الاهل والمعلمين والطلاب، ويكاد لا يوجد مواطن إلا ويستخدم أحد أو كل تلك التطبيقات الاجتماعية، مما يعني أن التطبيقات التعليمية الالكترونية ستكون سهلة الاستخدام على الجميع، لكن فقط تحلّوا بالواقعية وجرّبوا قبل أن تحكموا بالعكس، وعند مواجهتكم لأي مشكلة يمكنكم مراجعة مؤسستكم التعليمية كمراجعتنا لأي شركة مقدمي اتصالات خليوية أو انترنت عندما تواجهنا مشاكل ذات صلة!

6- الوضع النفسي للأهل والطلاب والتربويين: يجب أن نبقى متفائلين وإيجابين وعدم الإحباط لأن نجاح العملية التعليمية وخاصة عن بُعد تعتمد على التفاؤل وعدم الاستسلام، والعبء ملقى على عاتق الاهل لعدم ركوب موجة الهلع وعدم الانجرار وراء الشائعات ولنقتنع ولنطمئن بأن الخير قادمٌ إن شاء الله، وأن العلاج قادم وألا ننقل الازمة لنفوس أولادنا بل يجب أن نبقيهم مرحين ومرتاحين وابعادهم وابعاد أنفسنا قدر المستطاع عن اخبار الفيروس.

أخيرًا، حماكم الله وحمى لبنان وكل الناس من البلاء والوباء، تحلّوا بالصبر وتسلّحوا بالتفاؤل…فإن مع الصبر نصرا.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2RgDLYb
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل