
بين جبل الباروك وسهل البقاع وبحيرة القرعون، تتربّع لالا، البلدة البقاعيّة التي عرفت الهجرة منذ زمن طويل. فعلى مدى السنوات الطويلة الماضية، تركت لالا بصمة بارزة في البقاع الغربي، إذ تعتبر من أكثر مناطقه جمالاً نظراً لجمالية العُمران فيها، في حين أنها تعدّ البلدة الأبرز على صعيد الهجرة والمغتربين.
عندما تدخل إلى البلدة من الجنوب، تُطالعكَ عبارة “جمهورية لالا”، وفي قلب هذه البلدة جمهورية أُخرى، وهي “جمهورية الأورغواي” التي لديها شارعٌ باسمِها. كل ذلك كان من خلالِ أبنائها المغتربين، الذين ساهموا بنهضة بلدتهم ومدّها بمئات ملايين الدولارات من الخارج. والمفارقة أنّ “لالا” هي صورة طبق الأصل عن جانب لبنان المُشرق، رغم الظلام في الكثير من النواحي الأخرى. في هذه البلدة البقاعية، عددُ سكّانها المقيمين لا يتجاوز الـ3000، في حين أن عدد المغتربين من أبنائها يصل إلى 15000، ومعظمهم في البرازيل والأوروغواي وكندا وأميركا اللاتينية. ولهذا، فإنّ جميع هؤلاء يرسلون التحويلات إلى بلدتهم، إمّا من أجل دعم نهضتها أو تمويل أسرِهم وعائلاتهم، أو من أجل استكمال منازلهم إيماناً منهم بأنّ وطنهم ينتظرُهم في يوم من الأيام، وما ذلك إلا تعبير عن تمسّك اللبناني بوطنه.
ومع ذلك، فإنّ الأزمة الاقتصاديّة التي ضربت لبنان أثّرت على “لالا” من ناحية التحويلات المالية من الخارج، خصوصاً أنّ معظم الأموال كانت تأتي إلى المصارف التجاريّة. ومع القيود المفروضة على التحويلات لا سيما الدولاريّة، بات المغتربون يخشون احتجاز أموالهم هناك، وهو ما أفقدهم الثقة بالمصارف، وباتت لديهم مخاوف من فقدان هذه الأموال في ظلّ الأزمة الماليّة الصعبة. ومع هذا، فإن معظم المغتربين كانوا يرسلون أموالهم عبر شركات التحويل المالية باعتبار أن أسرهم بحاجة للتمويل، لكنّها باتت تخسر نصف قيمتها في ظلّ تدهور سعر الصرف، إذ أن الأموال التي تصل إلى لبنان لا يتم تسليمها بالدولار.
الهِجرة واردة
ووسط هذه الأوضاع، بات العديد من أبناء البلدة يُفكّرون بالهجرة والعودة إلى بلاد الإغتراب بعدما تركوها وعادوا إلى وطنهم قبل سنوات. فالأملُ في البلد بات ضعيفاً، والخسائر تتوالى وتتعاظم، ومدى الصمود ليس معروفاً. يقول أحد أبناء البلدة، وهو دخل في رحاب الستين أنّه “يُفكّر بالعودة إلى الخارج مع أبنائه الموجودين في لبنان“، ويضيف في حديث لـ”لبنان24”: “لديّ أبناء في الاغتراب، وبدأت أفكّر جدياً في العودة إلى كندا.. الظروف هنا لا تسمح للبقاء خصوصاً أن الواقع العام بات صعباً على الجميع.. ولذلك، الهجرة واردة وقائمة.. أريدُ أبنائي هنا أن يضمنوا مستقبلهم”.
خلال الفترة الماضية التي شهدت عودة المغتربين إلى لبنان، حضر إلى “لالا” عددٌ من المغتربين، من مختلف الدول. والأهَم في هذا الأمر هو مدى الإلتزام الذي كان قائماً، والجديّة في التقيّد بالشروط الصحيّة الأساسية، لناحية الالتزام بالحجر المنزلي. الوقائع الميدانية تشير إلى أن “لالا” كانت تعملُ بأسلوب دولة في ظل الظروف الاستثنائية: الأمنُ مفروض ليلاً نهاراً، تنسيق مع الجهات المعنية في مجمل التفاصيل، خليّة أزمة من الناشطين وأبناء البلدة والبلدية، مساعدات لكل منزل مُحتاج.. وفي السياق، يقول عسّاف: “البلدة كانت تخدُم نفسها بنفسها كما أنها تلقت مساعدات من جهات عديدة، لكن الهدف الأكبر والأبرز كان في الإلتزام في جعل البلدة صامدة وقويّة في ظل هذه الأزمة”. ومع عودة المغتربين، فإنّ البلدة لم تُسجّل أي إصابة بـ”كورونا” في صفوفهم ولا حتى في عداد السكان المقيمين، باعتبارِ أنهم ما زال الكثير منهم حتى الآن مُلتزماً بالإجراءات الوقائية اللازمة.
from وكالة نيوز https://ift.tt/380n6PQ
via IFTTT
0 comments: