

الأخبار- هيام القصيفي
هذا النقاش الفرنسي يجد في بيروت ترجمة عملية له، لأن ما جرى منذ طرح المبادرة الفرنسية لا ينسجم مع حقيقة الانهيار الحتمي. ورغم أن الكارثة الماليّة والاقتصاديّة صارت أمراً واقعاً، لكنّ أداء القوى الأساسية لا يزال دون هذا السقف الذي يجعل تشكيل الحكومة أولويّة من دون الالتفات الى تعزيز هذه القوى مصالحها ووجودها. لا بل إن هذا الأداء، عدا عن أنه لا يساهم في حلّ العقد الاقتصاديّة والمعيشيّة، بات يزيد من الشرخ السياسي ويضاعف من الأزمات الموجودة أصلاً. ما قام به الرئيس سعد الحريري يعبّر تماماً عن هذا الجانب. بدا الحريري، بمبادرته الأخيرة، كأنه يريد تغليب الشأن الوطني العام على ما عداه، في سعي الى ملاقاة الضغط الفرنسي لتأليف الحكومة. لكن واقع الأمر هو أن مصالحه في تحقيق خرق حكومي، بالترتيبات الاقتصاديّة الماليّة المتعلّقة بسيدر وغيره، لا تزال منذ أن استقال في نهاية العام الماضي، أولويّة الأولويّات. وبمحاولته استظلال المبادرة الفرنسيّة بعد خطوات ناقصة، ومحاولة إعطاء غطاء «سنّي» لها، خلق مجدداً زوابع محلّية إن في بيئته أو في علاقاته مع حلفائه محلياً ودولياً، وأثار أسئلة عن مستقبله السياسي. فقراءة بيان الحريري قبل كلام الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تختلف عن قراءته ما بعد الكلام.
إذ وقع في فخّ نصبه لنفسه في المنظار السعودي، حين خطا خطوة ناقصة، ليس من باب تسهيل تشكيل الحكومة وإنّما في إعطاء حزب الله ورقة سياسية أساسية، فيما كانت الرياض على أهبة إعطاء موقف حادّ من الحزب وإيران، بعد سلسلة رسائل تجاهلت فيها تماماً موضوع تأليف الحكومة وحيثيّة الحريري فيها. ما ساهم الحريري فيه، بعدما جرّ دار الفتوى أيضاً الى إعطاء غطاء سياسي، هو أنه وجد نفسه اليوم في موقف أكثر التباساً سعودياً، في مرحلة تتجاهل فيها أيضاً واشنطن الملفّ الحكومي، على اعتبار أنّه أوجد للحزب مخرجاً، فيما كانت الأنظار تتّجه الى الثنائي الشيعي على أنه الطرف المعرقل للتأليف. هذا الأمر لا يجد تفسيرات سياسية مقنعة، لأن خطوة الحريري لن تؤدّي الى تشكيل حكومة. واحتمالات أن ترتفع أصوات حلفاء الحزب من مسيحيين وغير مسيحيين تطالب بحصصهم أيضاً وبتسمية وزرائهم، احتمالات واقعيّة ومنتظرة. وهذا يعني أنه في لحظة حسّاسة، يكرر الحريري سياسته السابقة، معوّلاً كما في كلّ مرّة على طرف خارجي لإنقاذه، فيعتمد على باريس كونها صاحبة المبادرة في تأمين غطاء له. إلا أنّ توقيته الخاطئ لن يؤتي ثماره من المنظارَين الأميركي والسعودي. وباريس التي تضغط لتأليف الحكومة، تحاول إيجاد توازن دقيق بين هذين الموقفين، لكنها لن تغامر أكثر، فلا تتحمّل مسؤوليّةً ما حين تنكشف أوراق القوى السياسيّة بوضوح أكثر لجهة الاستمرار في سياسة المراوحة، ومعها انهيار الوضع الداخلي.
from وكالة نيوز https://ift.tt/3j1jfGV
via IFTTT

0 comments: