

د. شريف نورالدين
بين لبنان وليد الماضي ونشأة الحاضر و لعنة المستقبل، يبقى لب النزاع الدولي وقلب الصراع الاقليمي وهضم التجاذبات السياسية، على مر الزمن حتى يأتي اﻷجل.
كيف لا وعند حدوده آفات و داخله أزمات، وبيئته وحاضنته الطائفية التي أدت الى ما أدت من حروب وويلات ونظام مركب على قياس مذاهب وشتات، وحكم رجال تتوارثه أجيال الى أجال، فاقت قدرت الوطن مع فساد سلطة وغفلة شعب والقضاء على اﻷمال.
نعم انها معادلة ثلاثية الﻷبعاد، بدءا بسايكس بيكو وتفضيل اﻷكثرية على اﻷقلية وحقبة المارونية السياسية وصولا للحرب اﻷهلية، الى ستاتيكو الطائف وتغيير اللعبة الداخلية ونزع صلاحيات الرئاسة اﻷولى لحساب الكرسي الثالثة لمصلحة الطائفة السنية، ومع حروب الاحتلال للبنان، وتصفية الحسابات وغزو المنطقة من التطرف والارهاب، ظهرت قوة الشيعة التي غيرت موازين القوى في السياسة واﻷحلاف بين ذاك وذاك، مع دروز وروم وكاثوليك واقليات، اتقنت فن اللعبة في كل مرحلة ومناخ أتاح لها التموضع في الحكم والسلطة والانتهاز، تحت عنوان حماية الذات.
أما حصاد الثلاثية فساد حكم وسلطة استبداد وافلاس وطن بأكمله، وما نشهده هذه اﻷيام وما هو آت “موزاييكو”! لا يبقي ولا يذر على ما تبقى من اصول دولة ومكونات بلد وشعب منحاز…
بما أني تحدثت عن ثلاثية اﻷبعاد، لا بد من المرور عليها بلمحة موجزة، كي نستفيد من العبر المشؤومة، ﻷن المستقبل غصة وندم وقصة شعب بلد أصبح عبرة لكل من اعتبر.
* سايكس بيكو المشؤوم:
وقعت لبنان تحت الانتداب الفرنسي بناءً على مقررات مؤتمر سان ريمو الموقع في أبريل عام 1920م، وقسمت بلاد الشام إلى ثلاثة أقسام هي: سوريا ولبنان وفلسطين. وعهد إلى فرنسا بالانتداب على سوريا ولبنان، وعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين والعراق بما فيها الموصل، وذلك بناءً على مخططات معاهدة سايكس بيكو عام 1916م.
معاهدة عام 1936م. عقدت فرنسا مع لبنان معاهدة عام 1936م، على نمط المعاهدة التي وقعتها فرنسا مع سوريا في العام نفسه، والتي عرفت بمعاهدة التحالف بين فرنسا وسوريا. وجاءت معاهدة عام 1936م، بناءً على مطالبة بعض الطوائف اللبنانيّة مساواة بلادهم بسوريا، وقد تجاوبت فرنسا مع تلك المطالب، خاصة وأنها ظلت تقف ضد اللبنانيين الذين طالبوها بقبول إعادة ضم لبنان إلى سوريا، أما عن أهم ما تضمنته تلك المعاهدة فهو: أ ـ مدة المعاهدة 25سنة. ب ـ يحق لفرنسا إبقاء قواتها العسكريّة في أي مكان من لبنان. ج ـ العمل بالدستور اللبناني المطابق لدستور عام 1926م الذي عمل به عند إعلان قيام الجمهورية اللبنانية.
قابل الشعب اللبناني معاهدة عام 1936م بالاستياء التام، واعتبرها ضربة موجهة ضده. وخرجت المظاهرات في بيروت وخارجها، وأحاط المتظاهرون بالمجلس النيابيّ اللبناني مرددين شعارات معادية للمعاهدة، ومطالبين المجلس النيابي اللبناني بعدم التوقيع عليها. لكن القوات الفرنسية فرقت المتظاهرين ووقع النواب على المعاهدة التي سمحت شكليًا للبنانيين بحق ممارسة العمل بالنظام الدستوري.
حدث تعديل جديد على قانون الانتخاب اللبناني عام 1937م، أصبح بموجبه ثلثا أعضاء المجلس ينتخبون على الأساس الطائفي، والثلث الباقي يعين تعيينًا، وهو أمر رفضه اللبنانيون، وقاطعوا الانتخابات، ولم ينضم إلى المجلس النيابي إلا عدد قليل من النواب انشغلوا بالخصومات الداخلية والطائفية. وفي العام نفسه أصدر المندوب السامي الفرنسي قرارًا يقضي بأن تصبح مدة رئاسة الجمهورية ست سنوات ولفترة واحدة، ويمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية ثانية بعد مرور ست سنوات على تركه الرئاسة أول مرة.
* الطائف الملغوم:
قد حصل على هذه المعاهدة رئيس البرلمان حسين الحسيني وتفاوض في الطائف بالمملكة العربية السعودية من قبل أعضاء البرلمان اللبناني الباقين على قيد الحياة. وقد بدأ سريان الإتفاق مع الوساطة النشطة للمملكة العربية السعودية، والمشاركة السرية من قبل الولايات المتحدة، وتأثير الكواليس وراء سوريا.
وقد شكلت الإتفاقية مبدأ “التعايش المشترك” بين الطوائف اللبنانية المختلفة وتمثيلها السياسي السليم كهدف رئيسي للقوانين الانتخابية البرلمانية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. كما أعادت هيكلة النظام السياسي للميثاق الوطني في لبنان عن طريق نقل بعض السلطة بعيدا عن الطائفة المسيحية المارونية التي منحت مركزا متميزا في لبنان في عهد الحكم الفرنسي. قبل الطائف، تم تعيين رئيس الوزراء المسلم السني من قبل الرئيس الماروني والمسؤول عنه. بعد الطائف كان رئيس الوزراء مسؤولا أمام السلطة التشريعية، كما هو الحال في نظام برلماني تقليدي. لذلك، غير الإتفاق صيغة تقاسم السلطة التي كانت تحبذ المسيحيين لنسبة 50:50 وزيادة عدد النواب الى 128، كما عززت صلاحيات رئيس الوزراء السني على سلطات الرئيس المسيحي.
وعلى الرغم من أن اتفاق الطائف حدد إلغاء الطائفية السياسية كأولوية وطنية، إلا أنه لم يحدد إطاراً زمنيا للقيام بذلك. وزاد حجم مجلس النواب إلى 128 عضوا، على قدم المساواة بين المسيحيين والمسلمين، بدلاً من انتخابهم بالاقتراع العمومي الذي كان سيوفر أغلبية مسلمة (باستثناء الجماعة المغتربة، وأغلبها مسيحية). تم إنشاء مجلس الوزراء بالتساوي تقسيم بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.
– تكون هذا الإتفاق من أربعة مواد:
المادة 1: المبادئ العامة والإصلاحات: نصت فقرات هذه المادة على المبادئ العامة كتأكيد استقلال لبنان وهويته العربية وشكله السياسي كدولة جمهورية برلمانية ديمقراطية. كما نصت الفقرات على مجموعة من الإصلاحات السياسية التي تم الإتفاق عليها كتوزيع مقاعد مجلس النواب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين إضافة إلى إصلاحات أخرى في مجالات مختلفة كالإدارة والتعليم والمحاكم.
المادة 2: بسط كل سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية: نصت فقرات هذه المادة على حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتعزيز قوى الأمن الداخلي والقوات المسلحة وحل مشكلة المهجرين وتأكيد حق المهجرين بالعودة إلى الأماكن الأصلية التي هجروا منها.
المادة 3: تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي: أكد الاتفاق على ضرورة العمل على تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 425.
المادة 4: العلاقات اللبنانية السورية: أكدت هذه المادة على العلاقات المميزة التي تجمع لبنان وسوريا والتأكيد على أن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مركزاً لأي نشاط يستهدف الأمن السوري، كما يؤكد حرص سوريا على الأمن والإستقرار في لبنان.
وضع اتفاق الطائف إلغاء الطائفية هدفا له، لكن النظام اللبناني لم يستطع التخلي عن هذه الطائفية إلى الآن.
خلاصة:
في ظل سايكس بيكو والتناحر الطائفي الذي أودى بالوطن الى حرب أهلية، دامت لسنوات طويلة حوالي عقد ونيف، كانت نتيجته مدمرة على الشعب اللبناني، والعودة به الى الخلف خمسون عاما، تركت أثار كارثية على كل المستويات الحياتية، وبالخصوص حقد دفين بين الطوائف في النفوس لا نزال نعيشها حنى اﻷن، كما انتج أمراء حرب وميليشيات، ما زالوا يبسطون سلطتهم في الحكم ويتحكمون في البلاد وعلى رقاب العباد، انها لسخرية القدر…
ومع خلطة الطائف وما نص عليه لم يتغير البلد، بل ازداد سوءا مع تحالفت طائفية ومذهبية وقوى سياسية، ما زالت تعيش على انقاض الحروب والتجاذبات، رسخت التبعية بين الشرق والغرب معا، ووطن بشعبه وكل مافيه، يحصد الفقر والجوع والويل والثبور والموت المحتوم، من عصابات حكم وزمرة سلطة لزمن مشؤوم، ومصير بلد مجهول غير معلوم…
أما المستقبل الموعود، نظام الموزاييك المزين لجدران المراحيض السياسية المتبعة في لبنان، والقائم على نفس النهج الحاكم، مظلته قبة برلمان طائفي، وسلطة بالوراثة، وحكومات تستقيل أو تفرض عليها الاستقالة، في ظل التفاهم والتناغم والتجاذب والتناحر بين اركان زبانية الحكم القائم، وقانون انتخاب مفصل من معلمي الحياكة، لبدلة على قياس السماسرة واﻷباطرة،حباكها أمراء الحرب العباقرة، وزيها فدرالية سريالية لا مثيل لها، في دويلات مناطقية وجغرافيا طائفية وزواريب مذهبية، تعيش على التسول والشحادة كل لانتمائه وموالاته، لزعيمه الطائفي أو لسيده الاقطاعي، كما ان الديون مهولة والافلاس عظيم، سيبقى لبنان الواعد رهينة المساعدات المشروطة على حساب سيادة الوطن وكرامة أهله، من أزلام الداخل ووصاية الخارج.
هذا مستقبلكم الواعد الواهم ايها المواطنون، ولن تكونوا لبنانيين، طالما تعيشون في حقد دفين، ونوم عميق بأحﻻم الطائفية والزعامتية واللاهوتية، وانتظار الغيب ومساعدة اﻵخرين لتقرير المصير، فﻻ تبديل ولا تغيير لكل حاصل وتحصيل، قدركم بأيديكم ان احسنتم والتقدير.
from وكالة نيوز https://ift.tt/2Cgoouq
via IFTTT

0 comments: